مقدمة في علم الشخصية
بدأ
اهتمام الناس بدراسة انواع الشخصيات منذ القدم، وما التنجيم وقراءة الكف
الا بعض محاولات البشر تصنيف الناس الى شخصيات وانواع، ولكن علم الشخصية
كعلم لم يبدأ الا في بدايات القرن العشرين، فاصبح هناك اطباء وباحثون من
امثال فرويد وادلر ويونج ممن حاولوا دراسة الشخصية، وذلك من خلال اساليب
علمية مثل الملاحظة والاستنباط والتجربة، وقد بنى كل من هؤلاء العلماء
نظرية شاملة للشخصية، مبنية جزئيا على ملاحظات في عينات علاجية وجزئيا على
ارث حضاري وثقافي مثل الحضارة اليونانية او المسيحية، وقد حاول هؤلاء
العلماء الأوائل بناء نظريات يمكنها ان تفسر كل السلوك الانساني، ففسر
فرويد السلوك على انه ناتج للصراع النفسي بين الشهوات والضمير والواقع،
فالانسان بشهواته في حالة تصادم مستمر مع حدود الواقع والنظام الاجتماعي،
فالدافع الاساسي هنا هو شهوة الجنس وشهوة العدوان، فالانسان بطبعه شهواني
والنظام الاجتماعي عليه تنظيم عملية الاشباع والا تصرف الانسان بوحشية كما
نرى في اوقات الحروب او غياب القانون، اما ادلر ففسر السلوك على انه ناتج
دافع التعويض عن الاحساس بالنقص، اما يونج فقد مال اكثر الى التفسير
الروحي والغيبي، فقال ان الدافع الاساسي هو الرغبة في التدين، ومحاولة
الانسان توحيد جوانبه النفسية المتناقضة، فالرجل عليه تقبل الجانب الانثوي
في شخصيته، والمرأة عليها تقبل الجانب الذكوري في شخصيتها، كما ان على
الانسان معرفة وتقبل الجانب المظلم في شخصيته، فان لم يعترف الانسان بالشر
الكامن في نفسه فان هذا الشر سوف يسيطر على سلوكه ، وتعيد تجارب الحياة
نفسها الى ان يعترف الانسان بجوانب نفسه التى يرفضها، وجاء علماء النظرية
السلوكية امثال سكنر ليقولوا باهمية التعلم في تحديد السلوك، فالسلوك هو
ناتج للثواب والعقاب والتعلم الشرطي، فالانسان يفعل ما يفعل لانه تعلم ان
هناك ثواب يتبع هذا السلوك، اما ان كان السلوك يتبعه عقاب فان الانسان
يتجنبه، وجاء علماء النفس الفكري ليؤكدوا اهمية الفكر والاعتقادات في
تحديد السلوك، فما يراه شخص ثوابا قد لا يراه اخر كافيا، والايمان
بالنتائج يختلف من شخصاالى اخر، فهناك من يؤمن مثلا بالنار والجنة وهناك
من لا يؤمن او يؤمن بشكل ضعيف، وعليه يختلف السلوك، وهناك من يؤمن بكفاءته
وهناك من هو مهزوز الثقة في نفسه، وعليه يتحدد السلوك ايضا، وهناك ايضا
النظرية النسائية للسلوك وهي نابعة من الحركة النسائية، وتقول هذه النظرية
بان التربية التي تركز على احترام الذكورة واحتقار الانوثة تشكل السلوك
الانساني بشكل كبير، وان الشخصية تبنى في اساسها على الفصل بين الذكورة
والانوثة، وان الكثير من الانظمة الاجتماعية تسعى الى تكريس هذا الفرق
والحفاظ على فارق القوة، اما النظرية البيولوجية فتفسر الشخصية على انها
ناتج لوظائف المخ والاعصاب والهرمونات والجينات وعملية النشوء والارتقاء،
وهناك نظريات اخرى مثل الوجودية، والانسانية، وغيرها، ولعلماء المسلمين
مشاركاتهم القيمة لفهم الشخصية من امثال ابن سينا والرازي والفارابي
وغيرهم، ويمكن الرجوع الى كتاب التراث النفسي عند علماء المسلمين للدكتور
محمد ربيع لمقدمة طيبة في هذا الموضوع، ولعلماء العرب والمسلمين اليوم
مشاراكات مثمرة، وهناك مشاركات علمية نسائية قيمة مثل مشاركات الدكتورة
هدى القطان والدكتورة منى الصواف واخريات، وكثير من مقالات الاستاذ
عبدالله باجبير في جريدة الشرق الاوسط هي توعية نفسية للمجتمع معتمدة على
متابعة واطلاع على اخر تطورات علم النفس، هذه فقط امثلة من عشرات الادباء
والمفكرين وعلماء علم النفس والطب النفسي في العالم العربي اليوم، وهناك
محاولات عديدة للتوفيق بين التراث النفسي والديني مثل محاولات الدكتور
محمد نجاتي في كتابيه القرآن وعلم النفس والحديث النبوي وعلم النفس، وكتاب
الاسلام والعلاج النفسي الحديث للدكتور عبدالرحمن العيسوي، وكتاب من علم
النفس القرآني للدكتور عدنان الشريف، اما من ناحية اضطرابات الشخصية، فقد
صنف العلماء هذه الاضطرابات الى انواع عديدة، واضطرابات الشخصية ليست
كالفصام او يسميه العامة بالجنون طويل الامد او وقتي، وانما هي صفات في
تكوين الشخصية قد تسبب متاعب للشخص او من حوله، فهناك مثلا اضطراب الشخصية
النرجسية، وتتميز هذه الشخصية بالاعجاب بالنفس وعدم القدرة على رؤية
احتياجات الاخرين بل النظر لهم على انهم نياشين يفتخر بها او اسباب للخجل
والاحراج، والشخصية الاعتمادية تتميز بالرغبة في الاعتماد على الاخرين
ماديا ونفسيا بشكل كبير، والشخصية المضادة للمجتمع تتميز بغياب الوازع
الاخلاقي والاحساس بالتعاطف مما يسهل للفرد ارتكاب جرائم او استغلال
الاخرين، والشخصية الفصامية تتميز بالغرابة في التصرف او اللبس دون ان
يكون الشخص مختلا عقليا، بعض الفنانين العالميين يلبسون ويتصرفون باسلوب
يوحي بوجود هذا الاضطراب، والشخصية البارانويا تتميز بالشك الزائد والظن
والايمان بمؤامرات دون الاعتماد علي ادلة، وغيرها من اضطرابات الشخصية،
اذن ماهي الشخصية؟ الشخصية هي مجموع السلوكيات والافكار والمعتقدات
والدوافع والتوجهات واساليب التفكير والاحساس واتخاذ القرارات التي تميز
الشخص وتكون ثابته نسبيا من وقت لاخر ومن وضع لاخر، وللشخصية السويه او
السليمة صفات منها:
التكامل بين الجوانب المختلفة وليس التصارع، الوعي
والاخلاص للحقيقة والواقع، المرونة، القدرة على التكيف، معرفة النفس
واحتاجاتها وحدودها، القدرة على تكوين علاقات اجتماعية سعيدة، القدرة على
التعرف على مشاعر واحتياجات الاخرين واشباعها ان امكن، القدرة على التعبير
العاطفي من خلال الحوار او الفنون او الكتابه والتعبير الجسدي مثل البكاء
او الرقص، الوعي بالنظام الاجتماعي والتفاعل معه باحترام و بمحاولات
لتطويره او تغييره باساليب حضارية راقية وغير همجية او فوضوية، القدرة على
رؤية الامور من اكثر من زاوية، التوازن بين الامل والخوف، القدرة على
التحكم في الشهوات واشباعها بالطرق الشرعية والمقبولة اجتماعيا، القدرة
على تحديد اهداف تتناسب مع قدرات الفرد ووضع خطط واقعية ومرحلية لتحقيق
الهدف، القدرة على الاستمتاع بالحياة وجمالها والمرح والفكاهة، طبعا في
حدود الاعراف، هذا بالاضافة للعديد من الصفات الاخرى، والشخصية السوية
تحتاج الى اسرة سوية، ومجتمع سوي، ودولة سوية، وثقافة سوية، واعلام سوي،
ومدرسة سوية، وثقافة دينية سوية، والشخصيات السوية هي من ينشئ هذه الهيئات
باسلوب سوي، فهي حلقة، الاشخاص الاسوياء يحتاجون الى هيئات سوية كما انهم
يبنون هذه الهيئات، فمن اين نبدأ؟ وللحديث بقية