من مجموع أربعين آية كريمة ترش النور في دروب الناجحين، تتحدث أربع آيات فقط بلغة الإفراد بينما بقية الآيات تتحدث بصيغة الجمع، وفي ذلك دلالة كبيرة على أن النجاح الأهم هو النجاح الجماعي، فلا يكفي في ثقافة النجاح القرآنية أن يكون المرأ ناجحا بل عليه أن يساهم في نجاح المجتمع معه.
وهذه اللغة والثقافة هي ما تدفع المجتمع للارتقاء الحضاري، وبناء الصرح المجتمعي الرصين، الذي يتحرك بوجهة واحدة. وتعاظم من النجاح الفردي، وتفتح له أبعادا فوق ما كان يتوقع الطامح للنجاح.
لقد ضرب أحد المهتمين بموضوع النجاح مثالا للفرق بين النجاح الفردي والنجاح المجتمعي ومردود ذلك على النجاح الفردي، بذلك التاجر الذي يفتح مشروعا تجاريا في قرية فقيرة، كم يتوقع من أرباح في هذه القرية الفقيرة، لاشك بضعا من الدنانير، وقد يفكر في الارتحال بمشروعه إلى منطقة أخرى بعد فترة وجيزة من الزمن، بينما لو عمل هذا التاجر على تنمية مجتمعه القروي الصغير بحيث أصبح بصفه مجموعة من رجال الأعمال، فلا شك أن نوعية المشروع الذي يفكر فيه سيختلف كثيرا، ومتطلبات رجال الأعمال ستعود عليه بمردود مالي كبير يقدر بالملايين.
وليس غريبا أن نجد عالمنا اليوم، يزخر بتفوق المجموعات الكبيرة، كالبنوك التي تنظم لبعضها، بل والدول التي تتحد مع بعضها، وفي ذات اللحظة نجد كيف أن الدول التي تنشطرعن بعضها تزداد ضعفا.
هكذا إذن تؤكد بصيرة القرآن الكريم على العمل للنجاح الجماعي، واعتباره أهم من النجاح الفردي المحدود، فمهما كان إنجاز الفرد عظيما فهو محدود في ثماره ونتائجه، بل قد يساهم الفشل الجماعي في إفشال وتضييع قيمة النجاح الفردي، وخير شاهد على ذلك ما نراه من ضياع جهود الكثيرين من المفكرين والأدباء والمصلحين تحت عجلة المجتمعات المتخلفة.
إن عشرة بالمئة من الآيات التي تتحدث عن النجاح تستعمل لغة الإفراد، بينما تسعون بالمئة تعتمد لغة الجمع، هذه حقيقة ربما أرادت أن تنير لنا إضاءة قرآنية في طريق النجاح تقول: ابذل تسعة أضعاف ما بذلت من أجل نجاحك الفردي، لإنجاح مجتمعك، وغير ذلك فإن نجاحك سيكون نجاحا منقوصا، وستتقوقع نتائجه في حدودك فقط.
ونرى في قمة سلم الناجحين الذي يرسمه لنا القرآن الكريم، تربع المؤمنين، وهم الذين تفاعلوا مع قضايا الإيمان مع بعضهم البعض،"قد أفلح المؤمنون".
ويؤكد القرآن الكريم على قيامهم مع بعضهم من خلال الإتيان بأدوات التأكيد مرة بعد أخرى "الذين هم" وهذا يعني أن إغفال نجاح المجموع لصالح النجاح الفردي سيلحق الكثير من الضرر بالمجتمع المؤمن.
ونجد تأكيدا في القرآن الكريم على أن الذين يعيشون حالة تصاعدية في النجاح، هم الذين يؤدون بعض الأعمال ويعتقدون بعض الاعتقادات، ويسلكون سبلا محددة، مع بعضهم البعض وبصورة شبه دائمة،
"الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون".
وفلاح هؤلاء المتمثل في النجاح الدنيوي والحضوة بالجنة في الآخرة، جاء بناء على انطلاقتهم الواحدة، كأمة واحدة.
وفي تقديري أننا نفتقر اليوم إلى الحس الجمعي في الطموح نحو النجاح، ويغلب على أكثرنا التفكير في النجاح الفردي، ورغم أننا نأتي بتدريبات يومية تؤكد سيكولوجية الانطلاقة الجماعية، إلا أننا لم نلتفت بعد إلى أهمية هذه الحالة، وتغلب علينا السيكولوجية الفردية المحركة للنجاح، إننا نصلي في كل يوم خمس مرات جماعة ونصوم جماعة، ونحج جماعة، ونؤدي الكثير من الطقوس الدينية جماعة، إلا أننا ننطلق في طموح النجاح أفرادا.
لقد لاحظت في المدارس الغربية تبنيهم لتدريب الأطفال وهم في المرحلة الابتدائية على نجاح المجموعة وليس الفرد، حيث يكلف مجموعة من التلاميذ بالقيام بمشروع معين، وتعطى للمجموعة درجة واحدة هي لكل واحد منهم، وهذا ما يجعلهم يفكرون بشكل جدي في النجاح كمجموعة واحدة وليس كأفراد، بل حتى في مشاريع التخرج لمرحلة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، يشترك مجموعة من الباحثين مع بعضهم في إنجاز مشروع واحد والدرجة التي يحصل عليه المشروع هي درجة كل واحد منهم على حدة، وهذا ما لم أجده في واقعنا الأكاديمي، المدرسي أو الجامعي. وبالطبع ينعكس ذلك على نمط طموحهم ونمط طموحنا في النجاح